فصل: مناسبة الآيتين لما قبلهما:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن القيم:

{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}.
فإن قيل فقد أثبت له على أوليائه هاهنا سلطانا فكيف نفاه بقوله تعالى حاكيا عنه مقررا له: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} وقال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ}.
قيل: السلطان الذي أثبته له عليهم غير الذي نفاه من وجهين أحدهما أن السلطان الثابت هو سلطان التمكن منهم وتلاعبه بهم وسوقه اياهم كيف أراد بتمكينهم اياه من ذلك بطاعته وموالاته والسلطان الذي نفاه سلطان الحجة فلم يكن لابليس عليهم من حجة يتسلط بها غير أنه دعاهم فأجابوه بلا حجة ولا برهان الثاني أن الله لم يجعل له عليهم سلطانا ابتداء البتة ولكن هم سلطوه على انفسهم بطاعته ودخولهم في جملة جنده وحزبه فلم يتسلطن عليهم بقوته فإن كيده ضعيف وانما تسلطن عليهم بإرادتهم واختيارهم والمقصود أن من قصد أعظم أوليائه وأحبابه ونصحائه فأخذه وأخذ أولاده وحاشيته وسلمهم إلى عدوه كان من عقوبته أن يسلط عليه ذلك العدو نفسه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} الآية.
هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأن الشيطان له سلطان على أوليائه، ونظيرها الاستثناء في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}.
وقد جاء في بعض الآيات ما يدل على نفي سلطانه عليهم كقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ} الآية، وقوله تعالى حاكيا عنه مقررا له: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} الآية.
والجواب: هو أن السلطان الذي أثبته له عليهم غير السلطان الذي نفاه؛ وذلك من وجهين:
الأول: أن السلطان المثبت له هو سلطان إضلاله لهم بتزيينه، والسلطان المنفي هو سلطان الحجة، فلم يكن لإبليس عليهم من حجة يتسلط بها غير أنه دعاهم فأجابوه بلا حجة ولا برهان، وإطلاق السلطان على البرهان كثير في القرآن.
الثاني:أن الله لم يجعل له عليهم سلطانا ابتداء البتة، ولكنهم هم الذين سلّطوه على أنفسهم بطاعته، ودخولهم في حزبه فلم يتسلط عليهم بقوة؛ لأن الله يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}، وإنما تسلّط عليهم بإرادتهم واختيارهم، ذكر هذا الجواب بوجهيه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {ويوم نبعث} فيه إشارة إلى أن لأرواح الأنبياء إشرافًا على أممهم في حال حياتهم وبعد وفاتهم، وفيه أن الدينا مزرعة الآخرة فلا يقبل في القيامة اعتذار {وإذا رأى الذين ظلموا} أي وضعوا الكفر وأعمال الطبيعة موضع الإيمان وأعمال الشريعة {فلا يخفف} عن أرواحهم أثقال الأخلاق المذمية {ولا هم ينظرون} لتبديل مذمومها بمحمودها {وإذا رأى الذين أشركوا} وهم عبدة الدنيا والهوى {إنكم لكاذبون} في أنا دعوناكم إلى عبادتنا فإنا كنا مشغولين بتسبيح الله سبحانه وطاعته {وصدوا عن سبيل الله} منعوا الأرواح والقلوب عن طلب الله {زدناهم} عذاب الحرمان عن الكمال فوق خسران النسيان بإفساد الاستعداد الفطري. {وجئنا بك شهيدًا} لأن روحه شاهد على جميع الأرواح والقلوب والنفوس لقوله: «أول ما خلق الله روحي» {تبيانًا لكل شيء} يحتاج إليه السالك في أثناء سلوكه {إن الله يأمر بالعدل} وهو وضع الآلات وأسباب تحصيل الكمال في مواضعها بحيث يؤدي إلى مقام الوصال والكمال {والإحسان} وهو أن تحسن إلى الخلق بما أعطاك الله كقوله: {وأحسن كما أحسن الله إليك} [القصص: 77]، وفي قوله: {وإيتاء ذي القربى} إشارة إلى أن من جملة العدالة رعاية حال الأقرب فالأقرب. فيبدأ بتكميل نفسه ثم بما هو أقرب إليه قربًا معنويًا لا صوريًا {وينهى عن الفحشاء} وهو صرف ما آتاه الله في غير مصرفها {والمنكر} وهو ضد المعروف وهو أن لا يحسن إلى غيره {والبغي} وهو أن لا يراعي الترتيب المذكور في باب الإرشاد والتكميل. {وأوفوا بعهد الله} يوم الميثاق. {وقد جعلتم الله عليكم كفيلًا} بجزاء وفائكم {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} فيه إشارة إلى حال المريد المرتد {أن تكون أمة} هي أهل الدنيا في الدنيا أعلى حالًا من أمتهم أهل الآخرة. {ولا تتخذا أيمانكم} عهودكم مع المشايخ شبكة تصطادون بها الدنيا، وقبول الخلق فتزل أقدامكم عن صراط الطلب {من ذكر أو أنثى} هما القلب والنفس، والعمل الصالح من النفس استعمال الشريعة والطريقة، ومن القلب التوجه إلى الله بالكلية، والحياة الطيبة للنفس أن تصير مطمئنة مستعدة لقبول فيض {ارجعي إلى ربك} [الفجر: 28]، وللقلب أن يصير فانيًا عن أنانيته باقيًا بشهود الحق وجماله، وحينئذ يطيب عن دنس الاثنينية ولوث الحدوث. {فاستعذ بالله} إلخ.طاب للنبي صلى الله عليه وسلم وآله ظاهرًا وبالحقيقة هو لأمته، لأن شيطانه أسلم على يده فلم يحتج إلا الاستعاذة من شياطنه بل هو وخواص أمته كقوله: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا} [النحل: 99]، وفيه أن الشيطان ليس له تسلط على أولياء الله إلا بالوسوسة، وفيها صلاح المؤمن فإن إبريز إخلاص قلبه لا يتخلص عن غش صفات نفسه إلا بنار الوسوسة، لأن المؤمن يطلع على بقايا صفات نفسه. بما تكون الوسوسة من جنسه فيزيد في الرياضة وملازمة الذكر حتى تنمحي تلك البقايا والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ.

.تفسير الآيات (101- 102):

قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)}.

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ثم عطف على هذا المقدر- الذي دل عليه الكلام- ما أنتجه تسلط الشيطان عليهم فقال تعالى: {وإذا بدلنا} أي بعظمتنا بالنسخ {ءاية} سهلة كالعدة بأربعة أشهر وعشر، وقتال الواحد من المسلمين لاثنين من الكفار، أو شاقّة كتحريم الخمر وإيجاب صلوات خمس، فجعلناها {مكان ءاية} شاقة كالعدة بحول، ومصابرة عشرة من الكفار، أو سهلة كالآيات المتضمنة لإباحة الخمر وإيجاب ركعتين أول النهار وركعتين آخره، فكانت الثانية مكان الأولى وبدلًا منها، أو يكون المعنى: نسخنا آية صعبة فجعلنا مكانها آية سهلة؛ والتبديل: رفع الشيء مع وضع غيره مكانه {والله} أي الذي له الإحاطة الشاملة {أعلم بما ينزل} من المصالح بحسب الأوقات والأحوال بنسخ أو بغيره {قالوا} أي الكفار {إنما أنت} أي يا محمد! {مفتر} أي فإنك تأمر اليوم بشيء وغدًا تنهى عنه وتأمر بضده، وليس الأمر كما قالوا {بل أكثرهم} وهم الذين يستمرون على الكفر {لا يعلمون} أي لا يتجدد لهم علم، بل هم في عداد البهائم، لعدم انتفاعهم بما وهبهم الله من العقول، لانهماكهم في اتباع الشيطان، حتى زلت أقدامهم في هذا الأمر الواضح بعد إقامة البرهان بالإعجاز على أن كل ما كان معجزًا كان من عند الله، سواء كان ناسخًا أو منسوخًا أو لا، فصارت معرفة أن هذا القرآن وهذا غير قرآن بعرضه على هذا البرهان من أوضح الأمور وأسهلها تناولًا لمن أراد ذلك منهم أو من غيرهم من فرسان البلاغة فكأنه قيل: فما أقول؟ فقال: {قل} لمن واجهك بذلك منهم: {نزله} أي القرآن بحسب التدريج لأجل اتباع المصالح لإحاطة علم المتكلم به {روح القدس} الذي هو روح كله، ليس فيه داعٍ إلى هوى، فكيف يتوهم فيما ينزله افتراء لاسيما مع إضافته الطهر البالغ، فهو ينزله {من ربك} أيها المخاطب الذي أحسن إليك بإنزاله ثم بتبديله بحسب المصالح كما أحسن تربيتك بالنقل من حال إلى حال لا يصلح في واحدة منها ما يصلح في غيرها من الظهر إلى البطن، ثم من الرضاع إلى الفطام، فما بعده، فكيف تنكر تبديل الأحكام للمصالح ولا تنكر تبديل الأحوال لذلك، حال كون ذلك الإنزال {بالحق} أي الأمر الثابت الذي جل عن دعوى الافتراء بأنه لا يستطاع نقضه {ليثبت} أي تثبيتًا عظيمًا {الذين آمنوا} في دينهم بما يرون من إعجاز البدل والمبدل مع تضاد الأحكام، وما فيه من الحكم والمصالح بحسب تلك الأحوال- مع ما كان في المنسوخ من مثل ذلك بحسب الأحوال السالفة- وليتمرنوا على حسن الانقياد، ويعلم بسرعة انقيادهم في ترك الألف تمام استسلامهم وخلوصهم عن شوائب الهوى؛ ثم عطف على محل {ليثبت} قوله: {وهدى} أي بيانًا واضحًا {وبشرى} أي بما فيه من تجدد العهد بالملك الأعلى وتردد الرسول بينه وبينهم بوساطة نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم {للمسلمين} المنقادين المبرئين من الكبر الطامس للأفهام، المعمي للأحلام، ولولا مثل هذه الفوائد لفاتت حكمة تنجيمه. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{بما ينزل} من الإنزال. ابن كثير وأبو عمرو {يلحدون} بفتح الياء والحاء: حمزة وعلي وخلف. {فتنوا} مبنيًا للفاعل: ابن عامر. {والخوف} بالنصب: عباس {إبراهام} هشام وما بعده والأخفش عن ابن ذكوان. {في ضيق} بالكسر: ابن كثير وكذلك في النمل. الآخرون بالفتح.

.الوقوف:

{مكان آية} لا لأن جواب (إذا) هو (قالوا) وقوله: {والله أعلم بما ينزل} جملة معترضة {مفتر} ط {لا يعلمون} o {للمسلمين} o {بشر} ط {مبين} o {بآيات الله} لا لأن ما بعده خبر (إن) {أليم} o {بآيات الله} ج لاختلاف الجملتين مع العطف {الكاذبون} o {غضب من الله} ج لانقطاع النظم مع اتصال المعنى. {عظيم} o {على الآخرة} لا للعطف {الكافرين} o {وأبصارهم} ط لاختلاف الجملتين {الغافلون} o {الخاسرون} o {وصبروا} لا لأن (إن) الثانية تكرار الأولى لطول الكلام بصلته وخبرهما واحد {رحيم} o {لا يظلمون} o {يصنعون} o {ظالمون} o {طيباً} ص لعطف المتفقتين {تعبدون} o {لغير الله به} ج {رحيم} o {على الله الكذب} ط {لا يفلحون} ط، o {قليل} ص لعطف المتفقتين ولاسيما إذا قدر لهم متاع {أليم} o {من قبل} ج لابتداء النفي مع العطف {يظلمون} o {وأصلحوا} لا لما مر {رحيم} o {حنيفاً} ط {من المشركين} o لا لأن {شاكر} وصف آخر أو بدل من {حنيفاً} {لا نعمة} ط {مستقيم} o {حسنة} ط {الصالحين} ط o لأن (ثم) لترتيب الأخبار {حنيفاً} ط o {المشركين} ط o {اختلفوا فيه} ط {يختلفون} o {أحسن} ط {بالمهتدين} o {عوقبتم به} ط {للصابرين} o {يمكرون} o {محسنون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)}.
اعلم أنه تعالى شرع من هذا الموضوع في حكاية شبهات منكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان إذا نزلت آية فيها شدة، ثم نزلت آية ألين منها تقول كفار قريش: والله ما محمد إلا يسخر بأصحابه، اليوم يأمر بأمر وغدًا ينهى عنه، وإنه لا يقول هذه الأشياء إلا من عند نفسه، فأنزل الله تعالى قوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ} ومعنى التبديل، رفع الشيء مع وضع غيره مكانه.
وتبديل الآية رفعها بآية أخرى غيرها، وهو نسخها بآية سواها، وقوله: {والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} اعتراض دخل في الكلام، والمعنى: والله أعلم بما ينزل من الناسخ والمنسوخ والتغليظ والتخفيف، أي هو أعلم بجميع ذلك في مصالح العباد، وهذا توبيخ للكفار على قوله: {إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ} أي إذا كان هو أعلم بما ينزل فما بالهم ينسبون محمد صلى الله عليه وسلم إلى الافتراء لأجل التبديل والنسخ، وقوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أي لا يعلمون حقيقة القرآن وفائدة النسخ والتبديل وأن ذلك لمصالح العباد كما أن الطبيب يأمر المريض بشربة، ثم بعد مدة ينهاه عنها، ويأمره بضد تلك الشربة، وقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس مِن رَّبِّكَ} تفسير روح القدس مر ذكره في سورة البقرة.
وقال صاحب الكشاف: روح القدس جبريل عليه السلام أضيف إلى القدس وهو الطهر كما يقال: حاتم الجود وزيد الخير، والمراد الروح المقدس، وحاتم الجواد وزيد الخير، والمقدس المطهر من الماء و{من} في قوله: {مِن رَبّكَ} صلة للقرآن أي أن جبريل نزل القرآن من ربك ليثبت الذين آمنوا أي ليبلوهم بالنسخ حتى إذا قالوا فيه هو الحق من ربنا حكم لهم بثبات القدم في الدين وصحة اليقين بأن الله حكيم فلا يفعل إلا ما هو حكمة وصواب: {وَهُدًى وبشرى} مفعول لهما معطوف على محل ليثبت، والتقدير: تثبيتًا لهم وإرشادًا وبشارة.
وفيه تعريض بحصول أضداد هذه الصفات لغيرهم.
المسألة الثانية:
قد ذكرنا أن مذهب أبي مسلم الأصفهاني: أن النسخ غير واقع في هذه الشريعة، فقال المراد ههنا: إذا بدلنا آية مكان آية في الكتب المتقدمة مثل أنه حول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، قال المشركون: أنت مفتر في هذا التبديل، وأما سائر المفسرين فقالوا: النسخ واقع في هذه الشريعة، والكلام فيه على الاستقصاء في سائر السور.
المسألة الثالثة:
قال الشافعي رحمه الله: القرآن لا ينسخ بالسنة، واحتج على صحته بقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ} وهذا يقتضي أن الآية لا تصير منسوخة إلا بآية أخرى، وهذا ضعيف لأن هذه تدل على أنه تعالى يبدل آية بآية أخرى ولا دلالة فيها على أنه تعالى لا يبدل آية إلا بآية، وأيضًا فجبريل عليه السلام قد ينزل بالسنة كما ينزل بالآية، وأيضًا فالسنة قد تكون مثبتة للآية، وأيضًا فهذا حكاية كلام الكفار، فكيف يصح التعلق به؟ والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ}.
فيه وجهان:
أحدهما: شريعة تقدمت بشريعة مستأنفة، قاله ابن بحر.
الثاني: وهو قول الجمهور أي نسخنا آية بآية، إما نسخ الحكم والتلاوة وإما نسخ الحكم مع بقاء التلاوة.
{والله أعلم بما ينزل} يعني أعلم بالمصلحة فيه ينزله ناسخًا ويرفعه منسوخًا. {قالوا إنما مفْتَرٍ} أي كاذب.
{بل أكثرهم لا يعلمون} فيه وجهان: أحدهما: لا يعلمون جواز النسخ. الثاني: لا يعلمون سبب ورود النسخ. اهـ.